فصل: تفسير الآيات (7- 8):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (7- 8):

{إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8)}
{إذا ألقوا فيها سمعوا لها} لجهنَّم {شهيقاً} صوتاً كصوت الحمار {وهي تفور} تغلي.
{تكاد تميز من الغيظ} تتقطَّع غضباً على الكفَّار {كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها} سؤال توبيخ: {ألم يأتكم نذير} رسولٌ في الدُّنيا ينذركم عذاب الله؟ فقالوا:

.تفسير الآيات (10- 13):

{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11) إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13)}
{لو كنا نسمع} من الرُّسل سمع مَنْ يفهم ويتفكَّر {أو نعقل} عقل مَن ينظر {ما كنا في أصحاب السعير}. وقوله: {فاعترفوا بذنبهم} بتكذيب الرُّسل، ثمَّ اعترفوا بجهلهم {فسحقاً لأصحاب السعير} أَيْ: أسحقهم الله سحقاً، أَيْ: باعدهم من رحمته مُباعدةً.
{إن الذين يخشون ربهم بالغيب} قبل مُعاينة العذاب وأحكام الآخرة.
{وأسروا قولكم أو اجهروا به} نزلت في المشركين الذين كانوا ينالون من رسول الله صلى الله عليه وسلم بألسنتهم، فيخبره الله تعالى، فقالوا: فيما بينهم: أَسرّوا قولكم كيلا يسمع إله محمَّدا.

.تفسير الآيات (14- 22):

{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19) أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20) أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمْ مَنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22)}
{ألا يعلم من خلق} أَيْ: ألا يعلم ما في صدوركم وما تُسرّون به مَنْ خلقكم؟
{هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً} سهلاً مُسخَّرةً {فامشوا في مناكبها} جوانبها {وإليه النشور} إليه يبعث الخلق.
{أأمنتم من في السماء} قدرته وسلطانه وعرشه {أن يخسف بكم الأرض} تغور بكم {فإذا هي تمور} تتحرَّك بكم وترتفع فوقكم. وقوله: {فستعلمون} أَيْ: عند مُعاينة العذاب {كيف نذير} أَيْ: إنذاري بالعذاب.
{ولقد كذَّب الذين من قبلهم فكيف كان نكير} إنكاري إذ أهلكتهم.
{أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات} باسطاتٍ أجنحتها {ويقبضن} يضربن بها جنوبهنَّ {ما يمسكهنَّ} في حال القبض والبسط {إلاَّ الرحمن} بقدرته.
{أم مَنْ هذا الذي هو جند لكم ينصركم مِنْ دون الرحمن} يدفع عنكم عذابه.
{بل لجُّوا} تمادوا {في عتوّ} عصيانٍ وضلالٍ {ونفور} تباعدٍ عن الحقِّ.
{أفمن يمشي مكباً على وجهه} أَيْ: الكافر يُحشر يوم القيامة وهو يمشي على وجهه. يقال: كببْتُ فلاناً على وجهه فأكبَّ هو. يقول: هذا {أهدى أم من يمشي سوياً} مستوياً مستقيماً {على صراط مستقيم} وهو المؤمن.

.تفسير الآيات (23- 28):

{قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (23) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28)}
{قل هو الذي أنشأكم} خلقكم {وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون} أَيْ: لا تشكرون خالقكم وخالق هذه الأعضاء لكم إذ أشركتم به غيره.
{قل هو الذي ذرأكم} خلقكم {في الأرض وإليه تحشرون}.
{ويقولون متى هذا الوعد} أَيْ: وعد الحشر.
{قل إنما العلم} بوقوعه ومجيئه {عند الله وإنما أنا نذير} مُخوِّفٌ {مبين} أُبيِّن لكم الشَّريعة.
{فلمَّا رأوه} أَيْ: العذاب في الآخرة {زلفة} قريباً {سيئت وجوه الذين كفروا} تبيَّن في وجوههم السُّوء، وعلتها الكآبة {وقيل هذا} العذاب {الذي كنتم به تَدَّعُون} تفتعلون من الدُّعاء، أَيْ: تدعون الله به إذ تقولون: {اللَّهم إنْ كان هذا هو الحقَّ من عندك...} الآية.
{قل أرأيتم إن أهلكني الله} فعذَّبني {ومَنْ معي أو رحمنا} غفر لنا {فمن يجير الكافرين من عذاب أليم} يعني: نحن مع إيمناننا خائفون نخاف عذاب الله ونرجو رحمته، فمن يمنعكم من عذابه وأنتم كافرون؟

.تفسير الآية رقم (30):

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)}
{قُلْ أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً} غائراً ذاهباً في الأرض {فمن يأتيكم بماء معين} ظاهر تناله الأيدي والدِّلاء.

.سورة القلم:

.تفسير الآيات (1- 3):

{ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3)}
{ن} أقسم بالحوت الذي على ظهره الأرضُ. {والقلم} يعني: القلم الذي خلقه الله تعالى، فجرى بالكائنات إلى يوم القيامة {وما يسطرون} أَيْ: وما تكتب الملائكة.
{ما أنت بنعمة ربك} بإنعامه عليك بالنُّبوِّة {بمجنون} أَيْ: إِنَّك لا تكون مجنوناً وقد أنعم الله عليك بالنُّبوَّة، وهذا جوابٌ لقولهم: {وقالوا يا أيها الذي نُزِّل عليه الذِّكر إنَّك لمجنونٌ} {وإنَّ لك لأجراً غير ممنون} غير مقطوعٍ ولا منقوصٍ.

.تفسير الآيات (4- 16):

{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ (6) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7) فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16)}
{وإنك لعلى خلق عظيم} أَيْ: أنت على الخُلُقِ الذي أمرك الله به في القرآن.
{فستبصر} يا محمد {ويبصرون} أَيْ: المشركون الذي رموه بالجنون.
{بأييكم المفتون} الفتنة، أَبِكَ أم بهم.
{فلا تطع المكذبين} فيما دعوك إليه من دينهم.
{وَدُّوا لو تدهن فيدهنون} تلين فيلينون لك.
{ولا تطع كلَّ حلاَّفٍ} كثير الحلف بالباطل، أَيْ: الوليد بن المغيرة {مهين} حقير.
{همَّاز} عيَّابٍ {مشَّاء بنميم} سَاعٍ بين النَّاسِ بالنَّميمة.
{مناع للخير} بخيلٍ بالمال عن الحقوق {معتد} مجاوزٍ في الظُّلم {أثيم} آثمٍ.
{عتل} جافٍ غليظٍ {بعد ذلك} مع ما ذكرنا من أوصافه {زنيم} مُلحَقٍ بقومه وليس منهم.
{إن كان} لأن كان {ذا مال وبنين} يُكذِّب بالقرآن. وهو قوله: {إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين} والمعنى: أَيجعل مُجازاة نعمة الله عليه بالمال والبنين الكفر بآياتنا؟
{سنسمه على الخرطوم} سنجعل على أنفه علامةً باقيةً ما عاش، نخطم أنفه بالسَّيف يوم بدرٍ.

.تفسير الآيات (17- 27):

{إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27)}
{إنا بلوناهم} امتحنا أهل مكَّة بالقحط والجوع {كما بلونا أصحاب الجنة} كما امتحنَّا أصحاب البستان بإحراقها وذهاب قوتهم منها، وكانوا قوماً بناحية اليمن، وكان لهم أبٌ وله جنَّةٌ كان يتصدَّق فيها على المساكين، فلمَّا مات قال بنوه: نحن جماعةٌ، وإنْ فعلنا ما كان يفعل أبونا ضاق علينا الأمر، فحلفوا ليقطعنَّ ثمرها بسدفةٍ من اللَّيل كيلا يشعر المساكين فيأتوهم، وهو قوله: {إذْ أقسموا ليصرمنها مصبحين}.
{ولا يستثنون} ولا يقولون إن شاء الله.
{فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون} أَيْ: أنزل الله عليها ناراً أحرقتها.
{فأصبحت كالصريم} كاللَّيل المُظلم سوداء.
{فتنادوا مصبحين} نادى بعضهم بعضاً لمَّا أصبحوا ليخرجوا إلى الصِّرام، وهو قوله: {أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين} قاطعين الثَّمر.
{فانطلقوا} ذهبوا إليها {وهم يتخافتون} يتسارُّون الكلام بينهم.
ب {ألا يدخلنها اليوم عليكم مسكين}.
{وغدوا على حرد} قصدٍ وجدٍّ {قادرين} عند أنفسهم على ثمر الجنَّة.
{فلما رأوها} سوداء محترقةً {قالوا إنَّا لضالون} مُخطئون طريقنا، وليست هذه جنَّتنا، ثمَّ علموا أنَّها عقوبةٌ من الله تعالى فقالوا: {بل نحن محرومون} حُرمنا ثمر جنَّتنا بمنعنا المساكين.

.تفسير الآيات (28- 44):

{قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32) كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ (38) أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ (39) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ (40) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (41) يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43) فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44)}
{قال أوسطهم} أعدلهم وأفضلهم: {ألم أقل لكم لولا تسبحون} هلاَّ تستثنون، ومعنى التَّسبيح ها هنا الاستثناء بإنْ شاء الله؛ لأنَّه تعظيمٌ لله، وكلُّ تعظيمٍ لله فهو تسبيحٌ له.
{قالوا سبحان ربنا} نزَّهوه عن أن يكون ظالماً، وأقرُّوا على أنفسهم بالظُّلم فقالوا: {إنا كنا ظالمين}.
{فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون} يلوم بعضهم بعضاً بما فعلوا من الهرب من المساكين ومنع حقهم.
{قالوا يا ويلتنا إنا كنا طاغين} بمنع حقِّ الفقراء وترك الاستثناء.
{عسى ربنا أن يُبْدِلَنا خيراً منها} من هذه الجنَّة {إنا إلى ربنا راغبون}.
{كذلك العذاب} كما فعلنا بهم نفعل بمَنْ خالف أمرنا، ثمَّ بيَّن ما عند الله للمؤمنين فقال تعالى: {إنَّ للمتقين عند ربهم جنات النعيم} فلمَّا نزلت قال بعض قريش: إنْ كان ما تذكرون حقَّاً فإنَّ لنا في الآخرة أكثرَ ممَّا لكم، فنزل: {أفنجعل المسلمين كالمجرمين}. {ما لكم كيف تحكمون}.
{أم لكم كتاب} نزل من عند الله {فيه} ما تقولون {تدرسون} تُقرُّون ما فيه.
{إنَّ لكم فيه} في ذلك الكتاب {لما تخيرون} تختارون.
{أم لكم أيمان} عهودٌ ومواثيق {علينا بالغة} محكمةٌ لا ينقطع عهدها {إلى يوم القيامة إنَّ لكم لما تحكمون} تقضون. وكسرت {إنَّ} في الآيتين لمكان اللام في جوابها، وحقُّها الفتح لو لم تكن اللام.
ف {سلهم} يا محمد {أيهم بذلك} الذي يقولون من أنَّ لهم في الآخرة حظّاَ {زعيم} كفيلٌ لهم.
{أم لهم شركاء} آلهةٌ تكفل لهم بما يقولون {فليأتوا بشركائهم} لتكفل لهم {إن كانوا صادقين} فيما يقولون.
{يوم يكشف عن ساق} عن شدَّةٍ من الأمر، وهو يوم القيامة. قال ابنُ عبَّاس رضي الله عنه: أشدُّ ساعةٍ في القيامة، فصار كشف السَّاق عبارةً عن شدَّة الأمر {ويدعون إلى السجود} أَيْ: الكافرون والمنافقون {فلا يستطيعون} يصير ظهرهم طبقاً واحداً كلَّما أراد أن يسجد واحدٌ منهم خرَّ على قفاه.
{خاشعة أبصارهم} ذليلةً لا يرفعونها {ترهقهم} تغشاهم {ذلَّة وقد كانوا يدعون إلى السجود} في الدُّنيا {وهم سالمون} فيأبون ولا يسجدون لله.
{فذرني ومَنْ يكذب بهذا الحديث} دعني والمُكذِّبين بهذا القرآن، أَيْ: كِلْهُمْ إليَّ ولا تشغل قلبك بهم، فإنِّي أكفيك أمرهم. {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} أَيْ: نأخذهم قليلاً قليلاً ولا نباغتهم.

.تفسير الآيات (45- 52):

{وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50) وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (52)}
{وأملي لهم} أُمهلهم كي يزدادوا تمادياً في الشِّرك {إنَّ كيدي متين} شديدٌ لا يطاق.
{أم تسألهم} بل أتسألهم على ما آتيتهم به من الرِّسالة {أجراً فهم من مغرم} ممَّا يعطونك {مُثقلون}.
{أم عندهم الغيب} علم ما في غدٍ {فهم يكتبون} يحكمون. وقوله: {ولا تكن كصاحب الحوت} كيونس في الضَّجر والعجلة {إذ نادى} دعا ربَّه {وهو مكظوم} مملوءٌ غمَّاً.
{لولا أن تداركه} أدركه {نعمة} رحمةٌ {من ربه لنبذ} لطرح حين ألقاه الحوت {بالعراء} بالأرض الفضاء الواسعة؛ لأنَّها خاليةٌ من البناء والإِنسان والأشجار {وهو مذموم} مجرم.
{فاجتباه ربه} فاختاره {فجعله من الصالحين} بأن رحمه وتاب عليه.
{وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر} أَيْ: إنَّهم لشدَّة إبغاضهم وعداوتهم لك إذا قرأت القرآن ينظرون إليك نظراً شديداً يكاد يصرعك ويسقطك عن مكانك {ويقولون إنه لمجنون}.
{وما هو} أَيْ: القرآن {إلاّ ذكر} عظةٌ {للعالمين}.